بين “انكفاء” سعد و”اندفاعة” بهاء… هل وصلت “الحريرية” إلى نهايتها؟
لعلّه الرابع عشر من شباط الأكثر “حزنًا”، بالنسبة إلى جمهور رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، منذ تاريخ اغتياله “المشؤوم” في بيروت، الذي وُصِف بـ”الزلزال”، ربما بالنظر إلى تداعياته وتبعاته التي “تمدّدت” على مرّ السنوات، بعدما أعادت رسم “الخريطة السياسية”، وخلقت ما عُرِف باصطفافي “8 و14 آذار” غير المأسوف عليهما.
جاء 14 شباط 2022 كما لم يتوقّعه ويخله أحد. صحيح أنّ رئاسة الحكومة “التزمت” بمذكّرة التعطيل السنوية، إلا أنّ اليوم بدا فعلاً، كأيّ يوم “عطلة” آخر، وربما أقلّ “وقعًا”. اقتصر نشاط الذكرى على زيارات “محدودة” إلى الضريح، من دون أيّ إضافات، فلا تيار “المستقبل” نظّم احتفالاً مركزيًا على جري العادة، ولا الجماهير “الزرقاء” تدفقت إلى الساحات.
هو بلا شكّ الظرف السياسيّ “الخانق” وقد أرخى بثقله على المناسبة “الأهمّ” في قاموس “المستقبليّين”، إذ لم يمضِ شهرٌ واحدٌ على إعلان رئيس “التيار الأزرق” سعد الحريري اعتكافه وتعليق مشاركته في العمل السياسي، ما جعل زيارته إلى بيروت في المناسبة تندرج في خانة “رفع العتب” ليس إلا، وهي لم تدم أساسًا أكثر من ساعات معدودات.
لكنّ “الحرقة” بالنسبة إلى الجماهير “الزرقاء” لا تقف هنا، ففيما سعد الحريري “ينكفئ”، يصرّ شقيقه على “اندفاعة” غير مسبوقة، لم تَبْدُ مقنعة لكثيرين، أقلّه حتى الآن، لا في الشكل ولا في المضمون، بعدما ارتأى البقاء “بعيدًا” طيلة 17 عامًا، في عادة لم “يخرقها” سوى عام 2017 على وقع الاستقالة “الملتبسة” لشقيقه من الرياض، والتي لم تُطوَ صفحتها بعد.
فكيف يُقرَأ مشهد 14 شباط 2022، في فلك تيار “المستقبل” والمحيطين به، كما حلفائه وخصومه؟ هل هو إعلان لانتهاء “الحريرية السياسية”، مع “إلغاء” المناسبة الأهمّ التي ترمز إليها؟ هل تحوّل الصراع من “وطني” إلى “عائلي” بين سعد وبهاء الحريري؟ وأيّ تبعات لذلك على “مشروع رفيق الحريري” الذي يبدو الطامحون لـ”وراثته” كثرًا؟!.
في المبدأ، “يتحسّر” الدائرون في فلك تيار “المستقبل” على مشهديّة 14 شباط لهذا العام. لا يتردّد بعضهم في القول، ولو بخجل، إنّها “لا تليق” بالمناسبة، التي لطالما كانت “جامعة”. يستذكرون كيف “تدرّجت” الذكرى، بعدما كانت في البدء “يومًا وطنيًا وشعبيًا” بامتياز ينزل فيه اللبنانيون إلى الساحات، ويأتون إلى بيروت من مختلف المناطق، ليعبّروا عن موقفهم ويطالبوا بالحقيقة في جريمة اغتيال مؤسس “التيار”.
على مرّ السنوات، بدأ “وهج” المناسبة يخفّ شيئًا فشيئًا، حتى انتقل إحياؤها من الساحات العامة إلى القاعات المغلقة، قاعات فُتِحت في البدء أمام الجماهير الواسعة، قبل أن تُقفَل شيئًا فشيئًا بدواعٍ عديدة، كان آخرها فيروس كورونا وما فرضه من إجراءات احترازية، إلى أن اقتصر الإحياء هذا العام على “زيارة الضريح”، مع حضور جماهيري “رمزي” لم يحمل الكثير من الدلائل والرسائل التي يمكن التوقف عندها.
طيلة الأعوام المنصرمة، نجح تيار “المستقبل” في إضفاء “أهمية استثنائية” للذكرى، فكانت كلمة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في المناسبة من “الثوابت” التي ينتظرها الجميع، لما تحمله من “خريطة طريق” المرحلة، ولأنّها في الكثير من الأحيان كانت تشكّل فرصة لـ”كسر الصمت”، بحيث كان يدلي بدلوه من مختلف الأحداث والأزمات، ويحدّد موقف “تيار المستقبل” الرسمي من الاستحقاقات الآتية.
لعلّ هذا كان “الغائب الأكبر” عن ذكرى هذا العام، التي تأتي عشية استحقاق “مفصلي” مفترض هو الانتخابات النيابية، إلا أنّ الحريري آثر “مقاطعته”، لأسباب ودوافع تبدو “شخصية” إلى حدّ بعيد، وطلب من أعضاء تيّاره أن يحذوا حذوه. أكثر من ذلك، قرّر الحريري أن يمرّر الذكرى بـ”الصمت”، مخالفًا حتى التوقعات التي رجّحت أن يلقي كلمة “وجدانية وعاطفية” من وحي المناسبة، من دون أن يغوص في “وحول” السياسة.
وفيما كان الحريري يلوذ بـ”الصمت”، كان شقيقه بهاء على الطرف “النقيض”، يطلق العنان للكلام، بعد “اعتكاف” دام 17 عامًا. هكذا، كثّف الرجل من إطلالاته الإعلاميّة في الأيام القليلة منها، التي أريد منها ربما أن يضعه نفسه بـ”مواجهة” مع أخيه، تمامًا كما فعل يوم أعلن الحريري “اعتكافه”، فخرج بشريط مصوّر أعلن فيه أنّه سيستكمل “مسيرة رفيق الحريري”، مضيفًا باللهجة العامية: “ابن الشهيد رفيق الحريري ما بيترك لبنان”.
ومع أنّ بهاء الحريري، وفق ما يقول خصومه، لم يطبّق هذا القول، طيلة سنوات طويلة، “ترك” فيها لبنان، من دون أن يقدّم أيّ “مساندة” لشقيقه الذي اختارته العائلة لاستكمال المشوار، ولم يظهر إلا مع بدء بروز مؤشرات انكفاء “الشيخ سعد”، يحاول الرجل أن يقدّم نفسه على أنّه “البديل الشرعي والطبيعي” بعد “اعتكاف” شقيقه، وهو يحضّر لذلك منذ فترة غير قصير، نجح خلالها في بناء شبكة علاقات واسعة في أكثر مجال.
لكنّ “مشكلة” بهاء الحريري، وفق ما يرى كثيرون، لا تكمن فقط في كونه واحدًا من “طامحين كثر” لوراثة سعد الحريري وهو حيّ، وبعضهم قد يمتلك “شرعية أكبر” باعتبار أنّه كان حاضرًا وناشطًا طيلة المرحلة الماضية، ولكن قبل ذلك في كون “البرنامج” الذي يطرحه غير واضح المعالم بعد، فضلاً عن الخطاب السياسي الذي تجلّى في إطلالاته الأخيرة، والذي بدا “شديد العمومية”، ولو التزم بشروط “الشعبوية الانتخابية”.
يحقّ لسعد الحريري أن يعتكف ويبتعد، ولو أنّ كثيرين يعتقدون أنّه لا يبوح بالأسباب الحقيقية لانكفائه، والمرتبطة بـ”فيتو إقليمي” عليه، ويبالغ في “إجبار” المحيطين به بالابتعاد معه. ويحقّ لبهاء الحريري أن يخوض الشأن العام، ليس بوصفه ابن رفيق الحريري، ولكن مثله مثل أيّ لبنان تتوافر فيه الشروط. لكن، وسط كلّ هذه الصراعات التي لا تنتهي، يبقى الانطباع السائد لدى كثيرين أنّ “الحريرية” وصلت فعلاً إلى نهايتها، وهي نهاية “حزينة” بالمناسبة!.